لقد ترعرعوا في بيوت بدائية - وأصبحوا
مقاتلين في التنظيم الإرهابي الوحشي: شباب وحيدو، معظمهم في بداية
العشرينيات من عمرهم. من بين الشبان المسلمين الذين انضمّوا إلى داعش في
الفترة الأخيرة كان هناك عدد من الطلاب الجامعيين، طبيب امتياز متخصص وعامل
في مصنع. اثنان أبناء عمومة، اثنان أشقّاء، أربعة من الإسرائيليين الذين
اجتازوا الحدود كانوا من نفس القرية.

ربيع شحادة، "ابو مصعب الصفوري ابن مدينة الناصرة"، مواطن إسرائيليّ في صفوف داعش
هناك من جاء من هامش المجتمع، وآخرون جاؤوا من
بيوت ميسورة الحال. ومن بينهم أيضًا هناك متديّنون ورِعون. في أحد الأيام
اعتلوا طائرة لتقلّهم إلى تركيا، ومن هناك للحدود السورية، ومن ثم إلى داخل
البلاد القاتلة والدموية في الدولة الإسلامية.
وفقا لتقديرات الشاباك، فبين 30 إلى 40 إسرائيلي
قاموا بهذه الرحلة. لا يزال بعضهم هناك، وعاد بعضهم، وبعضهم لن يعود أبدا.
إنهم جزء من ظاهرة أكبر لمسلمين من الدول الغربية قد انضموا للقتال في
سوريا - وخصوصا لداعش.

علم داعش يرفرف في باحة المسجد الأقصى (Facebook)
سلّط أصدقاء الشبان وأبناء أسرهم في الإعلام
الإسرائيلي القليل من الضوء على أسلوب حياتهم، الذي قادهم في النهاية
للانضمام إلى صفوف داعش. والشهادات تقشعرّ لها الأبدان: "اتصل ابني بي، قال
لي إنّه في سوريا - وإنّه لا ينوي العودة إلى المنزل"، هذا ما قاله مصاروة
الذي انضمّ ابنه إلى صفوف التنظيم. "لا أعتقد أنّ ابني قام بأمر كهذا، لا
يتم القيام بمثل هذه الأخطاء في الحياة"، كما قال مروان كيلاني، الذي قرّر
ابنه أيضًا في يوم ما ترك المنزل واجتياز الحدود إلى بلاد الإرهاب.
هناك عشرات الأسماء والقصص لإسرائيليين كهؤلاء.
الأعداد في البلاد هنا منخفضة جدّا، ولكن هناك آثار واسعة لهذه الظاهرة. من
هم أولئك الإسرائيليون الذين قرّروا ترك البيت والعائلة والسفر إلى مكان
تُقطع فيه الرؤوس باسم الله؟
وجوه أنصار داعش في إسرائيل تنكشف
زلزل الخبر الذي نُشر في نهاية الأسبوع الماضي عن القبض على سبعة مشتبه بهم حاولوا تأسيس "داعش - فرع إسرائيل"،
منزل محمد أبو صالح في سخنين، بعد أن اعتُقل للاشتباه بانضمامه للتنظيم.
"لم أنم منذ شهر"، كما تقول والدة الشاب. "أنا فقط أبكي وأبكي". "هذه
الأيديولوجية قد تنشئ دولة إسلامية"، كما يقول والد أبو صالح. "لقد كان
مهتمّا بأيديولوجية داعش. لقد أراد فهمها. لقد كان ضدّ عمليات القتل وكلّ
ما يحدث هناك".

بوست كتبه المحامي عدنان علاء الدين على فيس بوك (Facebook)
أبو صالح، هو شاب أعزب يبلغ من العمر 28 عامًا
ويعمل كصيدلي، يستوفي معطيات بروفيل العرب الإسرائيليين الذين ينضمّون
للتنظيم. بشكل عام فهم شبان، معظمهم متديّنين، بعضهم أصحاب مهن حرّة،
ميسورو الحال وبشكل أساسي أشخاص يبحثون عن هوية. هكذا تماما رئيس الخلية -
وهو المحامي عدنان علاء الدين - المتّهم الرئيسي في الانتماء للتنظيم.
كان العنوان كما يبدو في صفحة فيس بوك الخاصة
بالمحامي؛ ساحة التجنيد الرئيسية لداعش. "تمنع أجهزة الاستخبارات اليهودية
أنصار داعش داخل الخطّ الأخضر من السفر إلى خارج البلاد"، كما كتب عدنان في
صفحته قبل عدة أشهر. "أعتقد أنهم يريدون بذلك منع رجالنا من التجنّد لأجل
الهدف".

مسيرة لداعش وسط غزة (Facebook)
يمكنا أن نرى شاهدا آخر للجذب الذي يحظى به التنظيم على الجانب الغربي من نهر الأردن في المظاهرة التي أقامتها أنصاره في بداية هذا الأسبوع في قطاع غزة - بموافقة حماس. رغم وجود خصومة مريرة بين داعش وحماس، ولكن في الواقع المشوّه للشرق الأوسط فإنّ حدثا كهذا قد يجري.
وفقا لتقديرات الشاباك فعلى الأقل هناك 35-40
عربيا إسرائيليًّا سافروا إلى سوريا عبر تركيا. ندم بعضهم، ولكن الآخرين
وصلوا إلى وجهتهم، أرض الإرهاب، واندمجوا في التنظيم الإرهابي. في أم الفحم
على سبيل المثال يقال إنّ نحو عشرة من أبناء المدينة قاموا بهذا المسار.
بالنسبة للكثيرين من زعماء المجتمع المسلم فإنّ خلفية نموّ هذه الأفكار
الإسلامية المتطرّفة مفهومة، على ضوء القتل اليومي في سوريا والعراق. يعترف
الكثيرون في أم الفحم ويتحدثون للإعلام الإسرائيلي أنّه قد تزايد العنف
اللفظي والتحريض ضدّ الشيعة في العالم العربي والإسلامي. "اليوم حسن نصر
الله مكروه، مثله مثل بشار الأسد. بالنسبة لأولئك الشبان الذين يتخذون خطوة
ويقرّرون السفر إلى تركيا من أجل الانضمام إلى مقاتلي داعش، فهي فرصة
ذهبية ليكونوا شهداء وليقتلوا هؤلاء الذي هم على حدّ زعمهم يقسّمون الأمة
الإسلامية. إنّهم يكرهونهم (بشار الأسد ونصر الله) أكثر من اليهود".
إلى أي مدى توجد في إسرائيل فكرة الدولة الإسلامية؟
إنّ السؤال الرئيسي الذي تحاول قوى الأمن،
الاستخبارات وأفراد أسر أولئك الذين قرّروا الانضمام إلى مقاتلي داعش في
سوريا والعراق، ليست هي متى يبدأ أنصار داعش بقطع الرؤوس في إسرائيل، أو
متى تخرج العملية الكبيرة القادمة في إسرائيل والتي سيرفرف عليها علم
التنظيم الأسود؟ السؤال الرئيسي هو إلى أي مدى توجد فكرة الدولة الإسلامية
في نطاق دولة إسرائيل وهل يمكن أن تنفجر في أعين الجميع؟ هل يمكن فعلا أن
نعرف بماذا يفكّر الشباب في الشارع أو في المساجد حول أفكار الإسلام
المتطرّف؟
في عصر كلّ شيء فيه مكشوف للإعلام، مصوّر ويتم
الحديث عنه في مواقع التواصل الاجتماعي، تشعل الدولة الإسلامية خيال
الكثيرين من المسلمين، وبدلا من أن تبقى كحلم بعيد بالنسبة لهم، تتحول إلى
واقع محسوس يسمح لهم أن يشاركوا بها بدور فعّال. كثرتْ في الآونة الأخيرة
مظاهرات التيارات الإسلامية السلفية في أنحاء المسجد الأقصى ويربط الكثيرون
قيام دولة الخلافة الإسلامية بإنقاذ الأماكن المقدّسة من أيدي "الكفار"،
أي اليهود. هذه الأفكار مفتوحة بالنسبة لكل مسلم فلسطيني، أو مسلم إسرائيلي
يحضر أحيانا للصلاة في المسجد الأقصى.
"رؤيتنا هي أنّ قوى الإيمان ستقاتل قوى الكفر"،
كما يقول أحد نشطاء التنظيم ومواطن إسرائيلي في مقابلة مع الإعلام
الإسرائيلي. "واليهودية كما أعرّفها هي كفر. من يستمر ليكون جزءًا من تلك
القوى، سيتمّ إعدامه"، كما قال وهدّد الرجل الذي يعرّف نفسه كمنظّر للدولة
الإسلامية ويعيش في إسرائيل.
بحسب كلامه، ليس هناك أي فرق بين رصاصة تُطلق من
مسدّس، أو قنبلة تسقط من طائرة أو أي سلاح آخر، وبين قطع الرؤوس الذي
تنفّذه داعش. بحسب كلامه، فقد تمّ إعدام جيمس بولي وستيفن سوتلوف فقط بعد
أنّ أجريتْ لهما محاكمة، وأنّ الأمر ليس نتيجة لعمل متهوّر من المفترض أن
يُظهر القوة.
بين ساحات المسجد الأقصى، لأم الفحم والميدان
الرئيسي في الناصرة تمّ وضع خطّ واضح للدولة الإسلامية كفكرة تنتقل من
الإعلام، من الإنترنت، وهي الآن قائمة في أرض الواقع. ورغم أن هذا لا يعني
أنّه سيبدأ هنا قتال كما في سوريا والعراق، وإنما سيبدأ هنا تحدّ آخر. كانت
إسرائيل قد دخلت بالفعل إلى نادي الدول الغربية والعربية التي نبتت لها
داعش، كفكرة، من تحت أنوفها.
عدديّا، لا يزال الحديث عن نواة صلبة يبلغ تعداد
أفرادها بين 100 إلى 200 مسلم يحملون هويّات إسرائيلية، وهو عدد ضئيل
مقابل حجم السكان المسلمين في إسرائيل (نحو 1.5 مليون). إنّ أفكار الإسلام
السلفي وتفسيراته المتطرّفة، تلك التي تعرّف داعش، ليست منتشرة كثيرا في
أوساط الغالبية العظمى من السكان المسلمين في إسرائيل، ولكن هناك عدد غير
قليل من الشبّان، وخصوصا أولئك الذين يبحثون عن هوية قومية - دينية، ينجذب
إلى التطرّف الإسلامي الذي يرمز بالنسبة لهم، حتى الآن على الأقلّ، أملا
لمستقبل أفضل بفضل "الخليفة" البغدادي والخلافة الإسلامية.
0 التعليقات:
Post a Comment