-

ربنا لاتؤاخذنا ان نسينا او اخطئنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا لا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا

الرئيسية » , » اغتصاب طبي وهنك عرضة

اغتصاب طبي وهنك عرضة

الباب المتهالك الفاصل بين المنزل و شارعٍ يائس من الحياة ذا ملامح بائسة يطرقُ بسرعة 

 
 تنم عن فرحِ الطارقِ و نشوته.
الأم:
مين؟
أنا يا ماما .. إفتحيلي الباب رجعت من المدرسة.
طيب يا حياتي ، لحظة بأفتح لك.
هلا ببنتي الحلوة و نور عيني ، باين عليك فرحانة اليوم ، صح؟
أيوا يا ماما .. اليوم سمعت للأبله جزء عمّ كامل و عطتني هدية مصحف و شهادة و وردة و ميتين ريال.
ما شاء الله تبارك الله ، الله يفرحك و يحفظك يا بنتي و عقبال ما تحفظي القرآن كله و أشوفك عروسة.
يا الله روحي بدلي ملابسك على بال ما يجي أبوك و نتغدا، هاتي بوسة يا حلوة.
..

مشت الطفلة خطواتٍ مثقلة و منهك جسدها النحيل من طول المسافة بين منزلهم و المدرسة.

فجأة إلتفتت الطفلة للخلف و قالت:
ماما إستني شوي.
خذي هالفلوس واعطي بابا عشان يشتريلك فيهم دواء لأني أمس سمعتك وانتي تتألمي.

سقطعت دموع الأم من عينيها واحتضنت طفلتها و أعادت لها المبلغ قائلة:

لا يا حبيبتي أنا بخير بس كنت أدلع على أبوك أمس.
صدق يا ماما ؟
يعني أقدر أشتري فيها ألعاب لي و حمودي.
أيوا يا عيوني بابا يجي و تروحوا تشتروا اللي تبغون.

..

دخلت الطفلة للغرفة الوحيدة في المنزل،
و بداخلها تفكر في هدية (لحمودي).

ألقت بحقيبتها الدراسية على الأرض الخاوية من عروشها ما عدا فرشةٍ بالية تغطي نص الغرفة لا أكثر.

نامت على ظهرها و هي تلمح ضياء الشمس الحارقة تخترق سقف المنزل فدمعت عيناها و قالت:

إن شاء الله أكبر و أحقق حلم أمي و أصير مدرسة دين و أشتري لأبويا سيارة و بيت،
وما عاد أخليه يشتغل ولا أخلي أمي تروح بيوت الناس تشتغل عندهم.

بجسدها النحيل غفت عيناها و نامت تلك البريئة على بساطٍ من ألم و دموعٍ هطلت من عينيها فرحاً بحفظها لكتاب ربها و حرقة على حال أسرتها.

..

صوت الباب المتهالك مرة أخرى و حين نظرت الأم من شرفة المطبخ المغطى بألواحٍ نحيلة فإذا بالأبِ يدخل للمنزل و قد أعياه التعب
وارتسمت على ملامحه التعاسة.

الزوجة:
هلا يابو محمد، حمد الله عالسلامة.
ربي يسلمك.
عسى ماشر ليش وجهك حزين و متضايق؟
تذكري راعي مصنع الخرسانة اللي قال بيبنيلنا غرفة على حسابه؟
أيوا ليش؟
رحت اليوم و سألته متى بترسل العمال و طردني.
ليش طردك؟
أبدا قالي إنت صدقت يوم قلت للجريدة بأبنيلك بيت؟
أيوا.
لا يا حبيبي هذا بس كان دعاية عشان مصنعي الجديد.

الزوج:
بعدها قام و طردني من مكتبه.
ولا يهمك يابو محمد ربنا بيعوضنا خير إن شاء الله.
كيف ما أزعل و أنا أنام و أنا خايف لا يطيح السقف على راسي أنا و عيالي؟
كيف أنام و أنا أشوف عيال الناس متهنيين و فرحانيين و عايشين حياتهم و أنا مو قادر أخليكم تعيشوا زيهم؟
كيف أنام و سارة نور عيني مريضة ولاني قادر أعالجها؟
كيف و اللا كيف و اللا كيف؟

الزوجة:
إذكر الله يابو محمد و ربنا ما ينسى عباده.
إنت زعلان و أنا جايبتلك خبر حلو؟
خبر حلو؟ خير وش صار؟
بنتك الحلوة سارة ختمت جزء عمّ و عطوها هدية و ميتين ريال.
صدق و الله؟ ماشاء الله .. فينها أبغ أسلم عليها
لا لا إسكت ما صدقت على الله تنام مسكينة.
لما تصحى باركلها بنفسك و خذها هي و حمودي واشترلهم هدايا.
أبشري من عيوني.

..

عادت الأم للمطبخ الذي به قارورة ماء و نصف كيلو أرز و ربع دجاجة.
جلس الأب في فناء المنزل الصغير يتأمل في أركان منزله القديم و كيف أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا من أجل عائلته.
بدأ يبكي بصمت ، بكاءً قطّع شراين فؤادهِ.
و كيف أن الفقر مؤلمٌ و موجع.

..

حمودي و سارة يالله قوموا ناكل بابا جا.
سارة:
ماما ما أبغى خليني أنام.
لا سارة بابا يبغى يباركلك عشان حفظتي القرآن ، قومي بسرعة حبيبتي.
طيب ماما.
حمودي يالله معايا بابا مستنينا.

..

هلا و غلا بعيالي الحلوين.
هلا ببركة هالبيت و نوره، حبيبتي سارة.
تعالي أسلم على راسك يا قلبي.
ألف مبروك يا شاطرة ، و إن شاء الله أعيش و أشوفك خاتمة القرآن كامل.
الله يخليك يابابا و لا يحرمني منك.
الأم:
يالله تغدوا قبل يبرد الأكل.
تعالي حمودي بحضن ماما.

..

الأب:
الحمد لله و الشكر على النعمة.
تسلم يدينك يا غالية، حتى وانتي تعبانة قايمة بالبيت.
أشهد إنك بنت أصول و الله لا يحرمنا منك.
الأم:
لو ماخدمتك إنت و عيالنا من أخدم و أقوم فيه؟
وانت اللي تزوجتني رغم مرضي من زمان.
المهم يابو محمد لا تنسى بكرة موعد سارة في المستشفى.

إييييييه صح ذكرتيني الله يعين.

إطلعوا بدري يابو محمد عشان تلاقون من يوصلكم ، المستشفى بعيد ولو فات الموعد مستشفياتنا بعد سنة تلاقي موعد وبنتي ما تقدر.

أبشري ولا يهمك.

..

صباح اليوم التالي خرج الأب مع طفلته من المنزل و الأم تودعهم عند الباب قائلة:

إنتبهلها زين و لا تتأخروا ماراح نتغدى لين ترجعوا و ربي يحفظكم.

الله يحفظك يا غالية، و امسحي دموعك مافي إلا الخير.

في أمان الله.

..

في الطريق يسأل الأب طفلته:
حبيبتي إيش هي أحلامك؟
بابا إيش معنى حلم؟
أمممممم يعني إيش تبغي تصيري لما تكبري؟
بابا و لا شيء، أبغى بس أكون معاك إنت و أمي و حمودي.

حينها سقطت دموع الوالد واحتضن طفلته و حملها متجهاً لأطراف القرية ليجد من يوصله للمشفى.

..

قبل الغروب يرجع الوالد وابنته للمنزل بعد يوم مليء بالتعب و الزحام و القلق.

..

حمد الله عالسلامة ، ها بشر كيف صحتها؟
الحمد لله مافيها إلا العافية.
بدلولها الدم زي كل مرة و رجعنا.
أبو محمد حاول مرة ثانية مع الوزارة يقولون في مستشفيات متخصصة و يمكن تعالجها.
إييييه يا غالية كل ما أرسلت خطاب و تشفع
و اللا طلب قالوا مافي سرير فاضي.
كيف مافي سرير فاضي و ولد فلان نقلوه في يومين؟
ولد فلان أبوه لو مصالح و علاقات أما أنا فعلى باب الله.
حسبي الله و نعم الوكيل فيهم يارب.

نامي و خليها على ربك وراي دوام بكرة.

تصبح على خير
..


الساعة الثانية فجراً:
طق طق طق، طق طق طق.

بسم الله الرحمن الرحيم ، من جاينا بهالوقت؟
و الله ما أدري يمكن حد من جيرانا صار له شيء.

الأم بعد أن ذهب الأب لفتح الباب:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، اللهم إجعله خير.

نعم نعم ، طيب يابن الحلال .. من؟

إفتح يا عم إحنا من المستشفى.
مستشفى!!

خير يابني؟ عسى ما شر !!

سارة موجودة؟

سارة بنتي؟ ليش !!!
أبدا لا تخاف بس نبغ نطمن عليها و نسويلها شوية فحوصات.

سارة نايمة و مافيها إلا العافية.

لا يا عم لازم ناخذها و الآن.


..


أم محمد صحي سارة خليها تقوم تلبس.
ليش؟
ما أدري ناس من المستشفى جووا و يقولون لازم ياخذونها ألحين.

تتوقع جت موافقة أخيرا ينقلوها مستشفى أحسن؟

ما أدري يمكن.
يارب سترك.

..

سارة حبيبتي قومي بابا يبغاك.
ماما تعبانة من المستشفى و رجولي تعورني من كثر ما مشيت أنا وبابا.

حبيبتي لازم تصحي بتروحي المستشفى شوي و ترجعي.
ليش ماما؟ أنا ما سويت شيء!

حبيبتي لا تخافي تروحون و ترجعون بسرعة.

..

يالله يا عم الوقت مو في صالحنا.
جيبلنا البنت بسرررعة.

..

بابا إجلس جنبي أنا خايفة.
أول مرة أركب سيارة إسعاف، كل مرة تتصل فيهم و يقولوا ممنوع بس هالمرة يعني.
حبيبتي أنا جنبك و معاك، لا تخافي.

..

طال عمرك إحنا في الطريق باقي عشر دقايق نوصل المستشفى.

..

الأم و في حضنها محمد المفزوع واقفة على الباب تبكي و حريم الحي يشاطرنها الحزن،
و يصبرنها بالقرآن و أدعية و كلامٍ عن الصبر.

يا أم محمد مافيها إلا كل الخير إن شاء الله.
يارب يا خالة أنا مالي غيرها و حياتي بدونها
مستحيلة.
إذكري ربك إنتي إنسانة مؤمنة.

..

على شرفات المبنى الضخم بنيانا و الخاوي عقولاً و إنسانية ، تقترب سيارة الإسعاف من المدخل الرئيسي.
وصلت السيارة و صلت خلوا الكل جاهزين بسرعة.
طيب طال عمرك.

..

أهلا بو محمد.
خلك هنا بنسوي فحوصات لسارة و ترجع للبيت إن شاء الله.
ليش يا دكتور فحوصات؟ اليوم كانت هنا!!
لا لا بس نتأكد و ترجع.

..


ها طلعت نتايج الفحص؟
إي و الله طال عمرك.
بشر؟
إنا لله و إنا إليه راجعون.
طلعت مصابة؟
لا حول و لا قوة إلا بالله.

..

نادولي أبوها المكتب و الله يستر لا يفضح فينا.
لا طال عمرك أبوها رجال فقير و على قد حاله
و كم قرش بيخليه يسكت.
..

هلا أبو محمد، تفضل إجلس.
نعم؟ وش صاير؟؟؟؟
أبدا صار بس خطأ طبي بسيط و حابين نعتذر منك و اللي تأمر عليه إحنا حاضرين.
خير؟ قلبي بيوقف قول.
و الله يابو محمد بنتك مصابة بالـ (الإيدز)
إيييييش!!!!!!؟؟؟؟!!!!!؟؟؟؟؟
بنتي أنا؟
كيف و متى وليش ؟

إهدا يابن الحلال.
خطأ طبي قلنالك و اطلب أي تعويض.

تعويض؟؟؟؟
بنتي ذبحتوها و تقول تعويض؟
إنت آدمي و اللا حيوان؟
الحيوان حتى يحس تفوووا عليكم .
ذبحتوا بنتي يا كلاب
ذبحتوني و ذبحتوا عيلتي كلها
أنهيتوا مستقبلها
قتلتوها
حراااام عليكم ، الله يحرقكم
الله لا يوفقكم
الله ياخذ حقي منكم

وين بنتي أبغ أشوفها و ين بنتي يا ربييييي
..

بابا إيش فيك تبكي؟
بابا حبيبي ليش تبكي يابابا حرام عليك قولي؟
بابا هم سوولك شيء و لا أحد زعلك ؟
حبيبي بس أرجوووك قلبي بيوقف.
لو هم ضايقوك عشاني يالله نروح البيت ماما تستنانا.
و حمودي بألعب معاه بالهدايا الجديدة.
يالله بابا خلينا نرجع البيت بكرة عندي تسميع قرآن في المدرسة.

..

خرج الوالد للمر الجانبي لغرفة الفحص وسقط مغشيا عليه و حين أفاق دخل في نوبة بكاء هستيرية.

..

بعد صلاة العصر و حين لم يعد الوالد ولا إبنته للمنزل ذهبت الأم بنفسها للمستشفى.

..

أبو محمد ليش مقفل جوالك؟
ليش ماتتصل ليش تحرق أعصابي؟
ليش تبكي و إيش فيه وجهك ذابل و عيونك تعبانة؟
بو محمد جاوبني؟؟؟
بنتي فيها شيء؟
بنتي وينها؟
رد علي الله يخليك.
الله يخليك لا تعذبني وين بنتي؟
أبي أشوفها!!

..

من هول الصدمة لم يعد يقوى على الحديث أبو محمد.
و بين الحين و الآخر يسقط مغشياً عليه.

..

دكتور بنتي وش فيها؟
تكلم لا أذبحك، و زوجي بعد وش سويتوا فيه.
ليش صاير كذا تكلم.
تكللللللم
أم محمد إنتي إنسانة مؤمنة و راضية بالقضاء و القدر.
و النعم بالله تكلم لا توقف قلبي.
بنتك مصابة بالإيدز!!
إيش
بنتي إيش فيها
إنت كذاب و تافه
بنتي مافيها شيء
كيف إي..... أستغفر الله يارب
دكتور تأكدوا بنتي مافيها شيء و كيف؟!!!

للأسف هذي الحقيقة يوم جابها أبوها نقلنالها دم ملوث بالغلط واحنا نعتذر.

تعتذر!!!
تعتذر عن إيش
عن ظلمكم
عن جشعكم
عن بهتانكم و اللا إيش بالضبط؟

يا رررررربي يا حبيبي
يا ربببببي يا مجيب الدعاء

ليتني أن اللي مرضت و لا سارة
ليتني أنا اللي أموت و لا سارة
ليتني أنا اللي انمحي من هالدنيا

يا ويلي عليك يا سارة
آه يا قلبي عليك ياسارة

حسبي الله و نعم الوكيل

حسبي الله و نعم الوكيل

حسبي الله و نعم الوكيل

..

هكذا ماتت الأحلام و هكذا حلم سارة في بناء منزل و شراء سيارة لأبسها إنتهى.

هكذا ماتت القيم و هكذا تنحر الأخلاق

هكذا سيظل محمدا لوحده مع ألعاب سارة

هكذا لن يطرق باب المنزل المتهالك و تفتح الأم لسارة

هكذا لن يجد الأب من يرسم له الأمل بالمستقبل

هكذا هو السقف لن يشع أضواء شمس من جديد

هكذا نصف سجادة الغرفة ستلتف حزنا على سارة

و هكذا هي الملامح و الأفراح تنتهي

و هكذا سنظل و تظل أرواح البشر و أجسادهم سلعة تباع و تشترى



..



مخرج:

سارة و والديها يلفهم الحزن و هم يساقون للموت ببطء في غرفة الفحص.

بالمقابل:
في الغرفة المجاورة يتأنقُ ظلمة النفس و العباد ليظهروا في المؤتمر الصحفي بأبهى حلة.



شارك الموضوع :

0 التعليقات:

Post a Comment


 
بدعم من : abdelhak elouajdi | gooplz | informatique 2014
copyright © 2013. شبكة كرميلة العربية - جميع الحقوق محفوظة لــ
Design By : عبدالحق الوجدي