"ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين "
أية من كتاب الله تهز نفوس المسلمين المتقاعسين عن أداء فريضة الحج التي نادى بها نبي الله ابراهيم عليه السلام ومنذ ان ترددذلك النداء لباه ملايين البشر ليشهدوا المنافع التي وعدهم الله تعالى اياها، فكيف نحقق الحج في أزكى معانيه كي ترقى نفوسنا الى الاعلى ونعود من هذه الرحلة كما ولدتنا امهاتنا وقد تجددت حياتنا,
ما هو الحج المبرور الذي يدخلنا الجنة؟
لماذا يعود البعض بعد الحج بالأجر فقط و دون تأثر؟
كيف يؤثر حجي في نفسي ويزكي روحي وترقى أخلاقي ؟
لا يقتصر الحج على بعض المناسك الاتيه فقط:
1- الخروج من البيت بنية الحج.
2- الإحرام عند حدود الميقات.
3- دخول مكة بعد الاستحمام أو الوضوء.
4- دخول الحرم وطواف الكعبة بالطريقة المقررة.
5- السعي بعد الطواف بين الصفا والمروة.
6- التوجه إلى منى بعد طواف القدوم في الثامن من ذي الحجة.
7- التوجه إلى عرفات في التاسع من ذي الحجة وجمع صلاتي الظهر والعصر بها.
8- التوجه إلى المزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجة وجمع صلاتي المغرب والعشاء بها، وقضاء الليل بها.
9- الذهاب إلى منى في العاشر من ذي الحجة ورمي الجمرات (جمرة العقبة).
10- نحر الأضاحي وحلق الرأس.
11- الذهاب إلى مكة لطواف الزيارة في العاشر من ذي الحجة بعد حلق الرأس والعودة إلى منى، وكذلك السعي بين الصفا والمروة إن فاتك السعي في الثامن من ذي الحجة.
12- القيام بمنى في الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة ورمي الجمرات على الجمرات الثلاث بالترتيب.
13- وقد اكتمل حجك هنا ويمكنك العودة إلى مكة والطواف حول الكعبة والارتواء من ماء زمزم لشكر الله تعالى على هذه النعمة.
ولكن الحج تهذيب لنفوس البشر
وما يلى يوضح كيف ان الحج هو تهذيب لنفوس البشر
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ، ولكن تجتمع فيه كل شعائر العبادات ، ففيه يعلن الناس الشهادة بالوحدانية لله سبحانه وتعالى ولا حاكمية لغيرة يقولون : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " ، وفيهتؤدى الصلاة طوعاً لله ورجاء : " ربنا آتناء فى الدنيا حسنة وبالآخرة حسنة وقنا عذب النار " ، وفيه ينفق الناس المال على حبه ابتغاء مرضات الله يرجون تجارة لن تبور ... وفيه يجاهد الناس بالمال والنفس ... وبكل نفيس فى سبيل الفوز بالجنة التى وعد الله بها عباده المؤمنين .
والحج مدرسة روحية ، تصقل فيها النفوس ، وتستنير فيها الأفئدة ، وتطمئن فيها القلوب وتطهر فيها الأحاسيس ، وتقوى فيها المعنويات ، كما تعمل على توحيد المسلمين على كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله .
ففى الحج منافع روحية عظيمة نذكر منها على سبيل المثال ما يلى :
أولاً : فى الحج استشعار القلوب بواحدنية الله .
يستشعر الناس فى شعيرة الحج بواحدنية الله سبحانه وتعالى وذلك من خلال وحدة المناسك والمشاعر والقصد والسعى والقول والدعاء ، الجميع مسلمون يطوفون ببيت واحد ، ويعبدون إلهاً واحداً ، ويتبعون رسولاً واحداً ، وينتهجون منهجاً واحداً ، كل هذا تجسيد حقيقى لمدلول : " لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير ، لا إله إلاّ الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده " ، إن هذا الشعور يترك فى نفوس المسلمين أهمية الوحدة والعمل فى ظل جماعة واحدة حتى يتمكنوا من الانتصار على أعدائهم ... ويكونوا بحق خير أمة أخرجت للناس ، وذلك مصداقاً لقوله تبارك وتعالى : )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاًوَلاَتَفَرَّقُوا([آل عمران : 103] .
ثانياً : فى الحج تعويد للنفس على الطاعة والامتثال لأمر الله .
الحج فرض فى العمر مرة على كل مسلم ومسلمة لمن استطاع ذلك ، ومن ينكر فرضية الحج فقد كفر ، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى : )وَأَتِمُّوا الحَجَّوَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ([البقرة : 169] ، وقوله جل وعلا : )وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً([آل عمران : 97]، ولقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضية الحج فقال : " يا أيها الناس فرض عليكم الحج فحجوا .. " .
وتأسيساً على فرضية الحج نجد أن الحجاج يؤدون المناسك مثل : الطواف ، والوقوف بعرفه ، والسعى ، والحلق والتقصير ، والهدى ... وغير ذلك من النسك دون نقاش أو جدل ، بل طاعة وامتثالاً واستسلاماً لأمر الله سبحانه وتعال ، وفى هذا تعويد للنفس البشرية على الالتقاء على طاعة الله والاتحاد على دعوته ، ولقد وعد الله سبحانه وتعالى أصحاب هذه النفوس المطيعة والمستسلمة له بالجنة ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " الحجاج والعمار وفد الله عز وجل وزواره إن سألوه أعطاهم وإن استغفروه غفر لهم وإن دعوا استجيب لهم وإن شفعوا شفعوا " (روه ابن ماجه) .
ثالثاً : فى الحج تزويد القلوب بالإيمان والتقوى .
من منافع الحج الروحية التزود بالتقوى ، ولقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله :)لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَاوَلاَدِمَاؤُهَاوَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ([الحج :37] ، وقوله جل شأنه :)وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىوَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ([البقرة : 197]، وقال أيضاً:)ذَلِكَوَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ ([الحج :32] ، ولقد ورد فى تفسير هذه الآيات أن من أهم مقاصد أداء مناسك الحج هو " استشعار التقوى والتزود منها " ، فقد ورد فى ظلال القرآن فى هذا الشأن : " إن التقوى زاد القلوب والأرواح منه تقتات وبها وترى وتشرق وعليها تستند فى الوصول والنجاة وأولوا الألباب هم أول من يدرك التوجيه إلى التقوى وخير من ينتفع بهذا الزاد " (الظلال الجزء 4 صفحة 197) .
فالحج مناسبة طيبة ومباركة لتزويد القلوب بالتقوى وهو خير الزاد .
رابعاً : فى الحج اختبار لقوة الإيمان .
من أهم غرائز النفس البشرية حسب الشهوات من النساء والبنين والأموال والتمتع بلذائذ الحياة الدنيا المختلفة وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى :)زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِوَالْبَنِينَوَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِوَالْفِضَّةِوَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِوَالأَنْعَامِوَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَاوَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ([آل عمران :14] ، وفى الحج يترك الناس هذه اللذائذ وينسون رغبات الدنيا ويتجنبون الشهوات .. ففى ذلك اختبار على قوة الإيمان وصدق العقيدة والإخلاص فى حب الله ورسوله ، فالحجاج أثناء أداء المناسك ويؤمنون إيماناً بأن اتقاء الله والعمل على الفوز برضائه وغفرانه خير من تلك الشهوات الزائلة ويتذكرون قول الله تبارك وتعالى :)وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ([البقرة : 165 ] ، كما أنهم يحسون بحلاوة الإيمان ولقد قال عن هؤلاء الرسول صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ الله وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار " (متفق عليه) ، ولذلك يعتبر الحج المبرور من مقاييسصدق العقيدة وقوة الإيمان .
خامساً : فى الحج تطهير للنفس البشرية فى مظاهر الكبرياء والعظمة .
يلبس الحجاج ملابس بسيطة ، يستبدل الغنى الفاخر الثمن من الثياب بثوبين لا زينة ولا زخرفة فيهما كما يقف أمام الله سبحانه وتعالى متجرداً من كل مظاهر الحياة الدنيا الزائلة يتذكر يوم لقاء الله ، وهذا يطهر النفس البشرية من الكبرياء والعظمة والغرور والتفاخر بالأنساب والألقاب ، كما يعود النفس البشرية على التواضع حتى لا يبغى أحد على أحد ولا يفخر أحد متذكرين قول الله تبارك وتعالى
:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍوَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباًوَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ([الحجرات : 13] .
سادساً : فى الحج تعويد للنفس على الجهاد .
لقد خلق الله سبحانه وتعالى فى النفس البشرية نوازع الخير والشر ، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى :)وَنَفْسٍوَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَاوَتَقْوَاهَا ، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ([الشمس : 7ـ10 ] ، فالإنسان قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر ، ولذلك يجب على المسلم أن يستخدم القدرة الكامنة فى كيانه فى توجيه نفسه إلى الخير ، وذلك عن طريق كثرة الذكر والطاعات والالتزام بالطريق المستقيم ، ويعتبر ذلك من أنواع جهاد النفس الأمارة بالسوء .
ويعتبر الحج من وسائل تزكية النفس وتطهيرها وتنمية استعدادها للسير فى طريق الخير ، فالحجاج يضحون بالمال مع حبه ، ويتجنبون الشهوات مع لذائذها ، ويركبون الصعاب ويعانون من المتاعب ... فى سبيل أداء تلك الفريضة ليفوزوا برضاء الله ... فهذا يعتبر نوعاً من أنواع جهاد النفس ولقد أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخارى عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت : " يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد ؟ ، فقال صلى الله عليه وسلم : لكن أفضل الجهاد حج مبرور " ، وعن ابن خز يمه فى صحيحه ، قالت السيدة عائشة رضى الله عنها : " قلت يا رسول الله ، هل على النساء من جهاد ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : عليهن جهاد لا قتال فيه ... الحج والعمرة " ، وروى النسائى بإسناد حسن عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جهاد الكبير والضعيف والمرأة ... الحج والعمره ... ولذلك يعتبر الحج من الشعائر التى تعود النفس البشرية على التضحية والجهاد "
الحج مدرسة ربانية روحية
تبرز المنافع الروحية للحج أنه مدرسة لتربية النفس والسمو بها إلى العلا ، فيها يتعلم المسلم كيف يعيش فى عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى وأن يكبح الشهوات واللذائذ ونزوات الشر ، فيها يعود الإنسان نفسه على التضحية والجهاد والالتزام بالطريق السوى ، فيها يربى الإنسان نفسه على حب الله ورسوله والولاء للإسلام كمنهج حياة ، لا اشتراكية ولا رأسمالية ... ، فيها يتحسس الإنسان الإقتداء برسول الله وبأصحابه والمجاهدين الذين جاهدوا فى الله حق جهاده حتى أتاهم اليقين وتركوا لنا راية الإسلام مرفوعة فى ربوع العالم ، إن من يتعلم فى هذه المدرسة ويحرص على الاستفادة بما فيها من دروس تربوية يكون جزاؤه الجنة بأمر الله سبحانه وتعالى الذى وعد بذلك على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى قال " الحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنة "(متفق عليه) .
أية من كتاب الله تهز نفوس المسلمين المتقاعسين عن أداء فريضة الحج التي نادى بها نبي الله ابراهيم عليه السلام ومنذ ان ترددذلك النداء لباه ملايين البشر ليشهدوا المنافع التي وعدهم الله تعالى اياها، فكيف نحقق الحج في أزكى معانيه كي ترقى نفوسنا الى الاعلى ونعود من هذه الرحلة كما ولدتنا امهاتنا وقد تجددت حياتنا,
ما هو الحج المبرور الذي يدخلنا الجنة؟
لماذا يعود البعض بعد الحج بالأجر فقط و دون تأثر؟
كيف يؤثر حجي في نفسي ويزكي روحي وترقى أخلاقي ؟
لا يقتصر الحج على بعض المناسك الاتيه فقط:
1- الخروج من البيت بنية الحج.
2- الإحرام عند حدود الميقات.
3- دخول مكة بعد الاستحمام أو الوضوء.
4- دخول الحرم وطواف الكعبة بالطريقة المقررة.
5- السعي بعد الطواف بين الصفا والمروة.
6- التوجه إلى منى بعد طواف القدوم في الثامن من ذي الحجة.
7- التوجه إلى عرفات في التاسع من ذي الحجة وجمع صلاتي الظهر والعصر بها.
8- التوجه إلى المزدلفة ليلة العاشر من ذي الحجة وجمع صلاتي المغرب والعشاء بها، وقضاء الليل بها.
9- الذهاب إلى منى في العاشر من ذي الحجة ورمي الجمرات (جمرة العقبة).
10- نحر الأضاحي وحلق الرأس.
11- الذهاب إلى مكة لطواف الزيارة في العاشر من ذي الحجة بعد حلق الرأس والعودة إلى منى، وكذلك السعي بين الصفا والمروة إن فاتك السعي في الثامن من ذي الحجة.
12- القيام بمنى في الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة ورمي الجمرات على الجمرات الثلاث بالترتيب.
13- وقد اكتمل حجك هنا ويمكنك العودة إلى مكة والطواف حول الكعبة والارتواء من ماء زمزم لشكر الله تعالى على هذه النعمة.
ولكن الحج تهذيب لنفوس البشر
وما يلى يوضح كيف ان الحج هو تهذيب لنفوس البشر
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ، ولكن تجتمع فيه كل شعائر العبادات ، ففيه يعلن الناس الشهادة بالوحدانية لله سبحانه وتعالى ولا حاكمية لغيرة يقولون : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " ، وفيهتؤدى الصلاة طوعاً لله ورجاء : " ربنا آتناء فى الدنيا حسنة وبالآخرة حسنة وقنا عذب النار " ، وفيه ينفق الناس المال على حبه ابتغاء مرضات الله يرجون تجارة لن تبور ... وفيه يجاهد الناس بالمال والنفس ... وبكل نفيس فى سبيل الفوز بالجنة التى وعد الله بها عباده المؤمنين .
والحج مدرسة روحية ، تصقل فيها النفوس ، وتستنير فيها الأفئدة ، وتطمئن فيها القلوب وتطهر فيها الأحاسيس ، وتقوى فيها المعنويات ، كما تعمل على توحيد المسلمين على كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله .
ففى الحج منافع روحية عظيمة نذكر منها على سبيل المثال ما يلى :
أولاً : فى الحج استشعار القلوب بواحدنية الله .
يستشعر الناس فى شعيرة الحج بواحدنية الله سبحانه وتعالى وذلك من خلال وحدة المناسك والمشاعر والقصد والسعى والقول والدعاء ، الجميع مسلمون يطوفون ببيت واحد ، ويعبدون إلهاً واحداً ، ويتبعون رسولاً واحداً ، وينتهجون منهجاً واحداً ، كل هذا تجسيد حقيقى لمدلول : " لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير ، لا إله إلاّ الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده " ، إن هذا الشعور يترك فى نفوس المسلمين أهمية الوحدة والعمل فى ظل جماعة واحدة حتى يتمكنوا من الانتصار على أعدائهم ... ويكونوا بحق خير أمة أخرجت للناس ، وذلك مصداقاً لقوله تبارك وتعالى : )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاًوَلاَتَفَرَّقُوا([آل عمران : 103] .
ثانياً : فى الحج تعويد للنفس على الطاعة والامتثال لأمر الله .
الحج فرض فى العمر مرة على كل مسلم ومسلمة لمن استطاع ذلك ، ومن ينكر فرضية الحج فقد كفر ، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى : )وَأَتِمُّوا الحَجَّوَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ([البقرة : 169] ، وقوله جل وعلا : )وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً([آل عمران : 97]، ولقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضية الحج فقال : " يا أيها الناس فرض عليكم الحج فحجوا .. " .
وتأسيساً على فرضية الحج نجد أن الحجاج يؤدون المناسك مثل : الطواف ، والوقوف بعرفه ، والسعى ، والحلق والتقصير ، والهدى ... وغير ذلك من النسك دون نقاش أو جدل ، بل طاعة وامتثالاً واستسلاماً لأمر الله سبحانه وتعال ، وفى هذا تعويد للنفس البشرية على الالتقاء على طاعة الله والاتحاد على دعوته ، ولقد وعد الله سبحانه وتعالى أصحاب هذه النفوس المطيعة والمستسلمة له بالجنة ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " الحجاج والعمار وفد الله عز وجل وزواره إن سألوه أعطاهم وإن استغفروه غفر لهم وإن دعوا استجيب لهم وإن شفعوا شفعوا " (روه ابن ماجه) .
ثالثاً : فى الحج تزويد القلوب بالإيمان والتقوى .
من منافع الحج الروحية التزود بالتقوى ، ولقد بين الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله :)لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَاوَلاَدِمَاؤُهَاوَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ([الحج :37] ، وقوله جل شأنه :)وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىوَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ([البقرة : 197]، وقال أيضاً:)ذَلِكَوَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ ([الحج :32] ، ولقد ورد فى تفسير هذه الآيات أن من أهم مقاصد أداء مناسك الحج هو " استشعار التقوى والتزود منها " ، فقد ورد فى ظلال القرآن فى هذا الشأن : " إن التقوى زاد القلوب والأرواح منه تقتات وبها وترى وتشرق وعليها تستند فى الوصول والنجاة وأولوا الألباب هم أول من يدرك التوجيه إلى التقوى وخير من ينتفع بهذا الزاد " (الظلال الجزء 4 صفحة 197) .
فالحج مناسبة طيبة ومباركة لتزويد القلوب بالتقوى وهو خير الزاد .
رابعاً : فى الحج اختبار لقوة الإيمان .
من أهم غرائز النفس البشرية حسب الشهوات من النساء والبنين والأموال والتمتع بلذائذ الحياة الدنيا المختلفة وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى :)زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِوَالْبَنِينَوَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِوَالْفِضَّةِوَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِوَالأَنْعَامِوَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَاوَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ([آل عمران :14] ، وفى الحج يترك الناس هذه اللذائذ وينسون رغبات الدنيا ويتجنبون الشهوات .. ففى ذلك اختبار على قوة الإيمان وصدق العقيدة والإخلاص فى حب الله ورسوله ، فالحجاج أثناء أداء المناسك ويؤمنون إيماناً بأن اتقاء الله والعمل على الفوز برضائه وغفرانه خير من تلك الشهوات الزائلة ويتذكرون قول الله تبارك وتعالى :)وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِ([البقرة : 165 ] ، كما أنهم يحسون بحلاوة الإيمان ولقد قال عن هؤلاء الرسول صلى الله عليه وسلم : " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ الله وأن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار " (متفق عليه) ، ولذلك يعتبر الحج المبرور من مقاييسصدق العقيدة وقوة الإيمان .
خامساً : فى الحج تطهير للنفس البشرية فى مظاهر الكبرياء والعظمة .
يلبس الحجاج ملابس بسيطة ، يستبدل الغنى الفاخر الثمن من الثياب بثوبين لا زينة ولا زخرفة فيهما كما يقف أمام الله سبحانه وتعالى متجرداً من كل مظاهر الحياة الدنيا الزائلة يتذكر يوم لقاء الله ، وهذا يطهر النفس البشرية من الكبرياء والعظمة والغرور والتفاخر بالأنساب والألقاب ، كما يعود النفس البشرية على التواضع حتى لا يبغى أحد على أحد ولا يفخر أحد متذكرين قول الله تبارك وتعالى
:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍوَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباًوَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ([الحجرات : 13] .
سادساً : فى الحج تعويد للنفس على الجهاد .
لقد خلق الله سبحانه وتعالى فى النفس البشرية نوازع الخير والشر ، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى :)وَنَفْسٍوَمَا سَوَّاهَا ، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَاوَتَقْوَاهَا ، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ([الشمس : 7ـ10 ] ، فالإنسان قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر ، ولذلك يجب على المسلم أن يستخدم القدرة الكامنة فى كيانه فى توجيه نفسه إلى الخير ، وذلك عن طريق كثرة الذكر والطاعات والالتزام بالطريق المستقيم ، ويعتبر ذلك من أنواع جهاد النفس الأمارة بالسوء .
ويعتبر الحج من وسائل تزكية النفس وتطهيرها وتنمية استعدادها للسير فى طريق الخير ، فالحجاج يضحون بالمال مع حبه ، ويتجنبون الشهوات مع لذائذها ، ويركبون الصعاب ويعانون من المتاعب ... فى سبيل أداء تلك الفريضة ليفوزوا برضاء الله ... فهذا يعتبر نوعاً من أنواع جهاد النفس ولقد أكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخارى عن السيدة عائشة رضى الله عنها أنها قالت : " يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد ؟ ، فقال صلى الله عليه وسلم : لكن أفضل الجهاد حج مبرور " ، وعن ابن خز يمه فى صحيحه ، قالت السيدة عائشة رضى الله عنها : " قلت يا رسول الله ، هل على النساء من جهاد ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : عليهن جهاد لا قتال فيه ... الحج والعمرة " ، وروى النسائى بإسناد حسن عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " جهاد الكبير والضعيف والمرأة ... الحج والعمره ... ولذلك يعتبر الحج من الشعائر التى تعود النفس البشرية على التضحية والجهاد "
الحج مدرسة ربانية روحية
تبرز المنافع الروحية للحج أنه مدرسة لتربية النفس والسمو بها إلى العلا ، فيها يتعلم المسلم كيف يعيش فى عبادة خالصة لله سبحانه وتعالى وأن يكبح الشهوات واللذائذ ونزوات الشر ، فيها يعود الإنسان نفسه على التضحية والجهاد والالتزام بالطريق السوى ، فيها يربى الإنسان نفسه على حب الله ورسوله والولاء للإسلام كمنهج حياة ، لا اشتراكية ولا رأسمالية ... ، فيها يتحسس الإنسان الإقتداء برسول الله وبأصحابه والمجاهدين الذين جاهدوا فى الله حق جهاده حتى أتاهم اليقين وتركوا لنا راية الإسلام مرفوعة فى ربوع العالم ، إن من يتعلم فى هذه المدرسة ويحرص على الاستفادة بما فيها من دروس تربوية يكون جزاؤه الجنة بأمر الله سبحانه وتعالى الذى وعد بذلك على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذى قال " الحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنة "(متفق عليه) .
0 التعليقات:
Post a Comment